الأفوكادو.. الضب والأفعى والضفدع
أماني ناجي الددابقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr.
الضبُّ حيوانٌ يشبه التمساح، ولكنه أصغرُ منه، طولُه لا يزيدُ على ستين سنتيمترًا، وقد وصفه العربُ في الجاهلية بأنه حكيمٌ وذكي، وهو يحفرُ جحرَه، أي بيته، في باطنِ الأرضِ ليحتمي فيه من أعدائه ومن الشمسِ والمطر. ومن القصصِ القديمة التي وردت عن العرب في بيانِ ذكائه وحرصِه على سلامته، أن أرنبًا وثعلبًا اختلفا في تمرةٍ، فجاءا الضبَّ في جحرِه فصاحتِ الأرنب: يا أبا الحسل، وهي كنيةُ الضب، إنِّي اختلفت والثعلب ونريدُ أنْ نحتكمَ إليك، فاخرجْ إلينا، ولكنه من ذكائه رفض الخروجَ وأجابها في بيتِه يؤتي الحكم، فقالت إنِّي وجدت تمرةً، فقال: حلوة فكليها، قالت فغصبني إياها الثعلب، فقال الضب: لنفسِه أراد الخيرَ، قالت: فلطمته، فقال: بحقكِ أخذت، قالت: فلطمني، قال: حرٌّ فانتصر، قالت: فاحكمْ بيننا، قال: قد فعلت. فإذا صرفنا النظرَ عن الحكايةِ السابقة الطريفة فسنحكي حكايةً أخرى طريفةً عن ذكاءِ الضب، فقد حفر وكرًا له قرب الساقية وعقد صداقةً مع ضفدعةٍ تسكنُ في الساقية وخرج يومًا يبحثُ عن طعام، وحين عاد يريدُ أنْ يأوي إلى وكرِه وجد حيةً قد احتلت الوكر، فلم يستطعْ دخولَه ووقف على مدخلِه يخاف أنْ يدخلَ فتعضه الأفعى، فطلب منها أن تخرجَ لأنه صاحبُ الوكر، فأجابته الأفعى: هذا الوكرُ لي ولن أخرجَ منه، وقال الضب: هذا الوكر بيتي وقد حفرته بيدي، ونقلتُ ترابَه بهما، وأنت لا تستطيعين حفرَه، وأنَّ احتلالَك له ظلمٌ كبير، فقالتِ الأفعى: لا تكثرِ الكلامَ، هذا الجحرُ لي، فاذهبْ وإلا خرجت إليك ولدغتك حتى تموت. رجع الضبُّ خائفًا على نفسِه ووقف إلى جانبِ الساقية حزينًا كئيبًا يحدقُ في الماء، وجاءت صديقتُه الضفدع فرأته على هذه الحالة الحزينة فسألته: ما بك؟ فروى لها صنعَ الحية، فقالت أنا أعرفُك حكيمًا وذكيًا فتعال أرني جحرَك، ولما نظرت في الجحرِ رأت الحيةَ قد تكورت على نفسِها في صدرِ الجحر، ورأت إلى جانبِ الجحرِ حجارةً كان الضبُّ قد أخرجها من الأرض حين حفر الجحر، فقالت للضب: إنَّ الظالمَ يجبُ أنْ يعاقب، وهذه الحيةُ ظالمةٌ وأريدُ منك ما لا أستطيعُه، فأنا أريدُ منك في الليلِ أن تنقلَ هذه الحجارة وأن تضعَها فوق بعضِها بعضًا، فتجعلُ منها جدارًا تسدُّ به فمَ الجحر، وأنا سأكونُ إلى جانبِك عند فمِ الجحر، وهذا الجدارُ سوف يمنعُ الحيةَ من التنفسِ والخروج. وحين حلَّ الظلامُ عمد الضب إلى وضعِ الحجارةِ متراكمةً فوقَ بعضِها ولم يتركْ بينَها فرجة، وجاءتِ الضفدعُ وقد ملأت فمَها بالماء فنفثتِ الماءَ على الحجارة وطلبت من الضبِّ أن ينثرَ الترابَ على الحجارةِ المبتلة، وكرَّر الاثنان عملَهما مراتٍ متعددةً حتى التحم الترابُ بالحجارةِ وكونا حائطًا متينًا لا تستطيعُ الحيةُ اختراقَه، وقال الضب: بهذا الحائطِ سوف تموتُ الحية لأنها ستطلبُ الهواءَ فلا تجدُه، ولا تستطيعُ أنْ تفتحَ فرجةً لقوةِ الجدار، وقالتِ الضفدع: سنتركُ الحائطَ بضعةَ أيامٍ ثمَّ ستعودُ إلى جحرِك.
كان الضبُّ والضفدعُ يمران يوميًا على الجحرِ لملاحظتِه فيجدانه كتيمًا صامدًا، وفي اليومِ الرابعِ قالتِ الضفدعُ للضب: ما رأيك أنْ تفتحَ الجدار؟ اقترب الضبُّ وظلَّ يحفرُ بأظافره حتى فتح فرجة فنظرا من خلالها فإذا هي ممددةٌ بلا حراك ميتة، وقد قاءت ما أكلت، ما يدلُّ على اختناقِها، وقال الضب: لقد نجحنا، وقالتِ الضفدع: هذا جزاءُ الظالم، والظلمُ عاقبتُه وخيمة، وقالتِ الضفدع: هيا أزلِ الجدار، وارمِ الأفعى، وعدْ إلى جحركِ وعشْ سعيدًا، وشكر الضبُّ الضفدعَ ثم قام بهدمِ الجدار. .
____________________________________________________________________________________________
|